الهجرة من الريف إلى المدينة

الهجرة من الريف إلى المدينة

الهجرة من الريف إلى المدينة

شيماء العبدلي / راديو الغد 

ليست هي المرة الأولى التي يصاب فيها الفلاح العراقي بخيبة أمل، فقد وطّن نفسه على التعاطي مع الحوادث وهو يخرج منها بأقل الخسائر. ولعل تجربته أبان الحرب العراقية الايرانية كانت شاهداً مباشراً على ما ذهبنا إليه، حيث أن لسان حال النظام السابق كان: إذهب أيها الفلاح أينما أردت وقاتل وحدك، ونحن ننتظرك ها هنا.

مسألة المجلات الزراعية المتلفزة التي كانت تظهر على قناتين كانت بمثابة ذر الرماد في العيون لا أكثر، كما أن المتحدثين من خلالها يلقّنون النص بصورة مباشرة.

الفلاح في ذلك الوقت لم يكن له عون سوى السماء بالدرجة الأولى، مع بعض الارشادات التي تكاد لا تذكر.

آلية التجاهل هذه دفعت الفلاح الى مغادرة أرضه، والبحث عن سبل عيش أقل جهداً، وأوفر ربحا، وأضمن أجرا. فكانت فكرة الهجرة الى المدينة هي المنطلق.

التدهور الحاصل في الزراعة العراقية وتجاهل الفلاح ازدادت وتيرتها بعد حرب 1990 وفرض الحصار على العراق، حيث كان من المفترض أن يكون العكس، وان تتبلور فكرة الاكتفاء الذاتي بالمنتج المحلي، لكنّ هذا لم يحصل، بسبب غياب منهجية واضحة في التعاطي مع الملف الزراعي.

هذا لا يعني عدم وجود محاولات جادة تعمل على انقاذ ما يمكن انقاذه كانت تبوء بالفشل بسبب سياسة الحصار، ومنع إدخال المواد اللوجستية الحديثة التي تضمن انتاجاً يمكن الاعتماد عليه.

التأريخ يعيد نفسه بعد 2003 ودخول القوات الامريكية وقلب نظام حكم صدام حسين.

الهاجس الأمني كان هو المسيطر على كل مفاصل الدولة وفي كل المحافظات، ووجود فراغات أمنية في بعض الاقضية والنواحي والقرى جعل الفلاح في حيرة من أمره، وقدّم سلامة نفسه على كل الاولويات.

وبعد استتباب الوضع الامني وجد الفلاح العراقي نفسه في ركب الدول المتأخرة زراعيا بصورة كبيرة، ناهيك عن إهماله، وعدم دعم منتجه المحلي، مروراً بسياسة الاستيراد غير المحدود وفي كل المحاصيل.

مشاهد أن يفرغ التاجر الفلاح (صناديق) الطماطم في الشارع اصبحت مألوفة بسبب تكلفتها الباهضة ورخص المستورد، وغياب الدعم للفلاح عبر المصانع والتعليب.

هذا كله وغيره دفع بالفلاح أن يجلس على تل السلامة، ويؤثر الراحة على المشقة، ويقوم باستئجار ارضه من جهة إن وجد من يستأجرها، أو من الممكن ان تتحول الى ارض سكنية خصوصا اذا كانت قريبة من مركز المدينة.

صحيح أن العراق كان يسمى فيما سبق أرض السواد، ومنطقة الجزيرة في نينوى سلة خبز العراق، لكننا اليوم نحزن لما اصاب هذا الكم الهائل من الاراضي وازدياد التصحر غير المسبوق والشواهد على هذا كثيرة.

هجرة الفلاح من الريف الى المدينة سيكون لها تبعات اقتصادية والاخطر أمنية، إذ أن الهجرة ستترك فراغات وثغرات من الصعب على القوات الأمنية سدّها.

الحل يكمن في سياسة واضحة المعالم ترفع من شأن الفلاح، وتدعمه، ولا تجعله يفكر بالهجرة. والافادة من تجارب الدول العربية في هذا الصدد كمصر مثلا كفيل بوضع الزراعة العراقية في مصاف الدول المتقدمة حيث لا فلاح وقتها يفكر بالهجرة.