اللاجئون السوريون.. معاناة فوق الأرض وتحتها

اللاجئون السوريون.. معاناة فوق الأرض وتحتها
لا يبحث اللاجئون السوريون في لبنان، فقط، عن أماكن يقيمون فيها خلال فترة لجوئهم، بل إنهم لا يجدون أماكن تقيم فيها أجسادهم إن وافاهم الموت في الدولة التي لجؤوا إليها هربا من موت كان محتما في وطنهم.
كثيرة هي الأزمات التي يعانون منها، لكن أكثرها تعقيدا تلك التي تضعهم في تحد إنساني وشرعي إن مات أحد أقربائهم. إذ لا تتوفر لهم أماكن مخصصة لدفن موتاهم.
فلم تخمد النار التي كوت قلب صبحية فياض التي دفنت ابنها قبل عام. بل قد تكون مشابهة في ألمها لما يختلج صدر أم خالد التي قضى ابنها بحريق طال مخيما للاجئين السوريين في بلدة قب الياس في البقاع شرقي لبنان.
فالأخيرة لم تفقد ابنها خالد (سنتين ونصف) وحسب. بل اضطرت لإبقاء جثته في براد المستشفى، يومين، بانتظار العثور على مكان لدفنه.
الوجع المضاعف خففت منه صبحية حين ذهبت وفتحت قبر ابنها (4 سنوات)، وسمحت للعائلة السورية بدفن صغيرها فوقه.
وليست الخطوة أول مبادراتها، إذ قالت صبحية لسكاي نيوز عربية، إنها سبق وساهمت في دفن طفل سوري أيضا، خلال شهر رمضان سرا.
الدفن ليلا هو الخيار الوحيد المتاح أمام اللاجئين، إن لم تقدم العائلات اللبنانية مقابرا تعود لها لدفن موتى العائلات السورية.
وتشير الناشطة نوال مدللي إلى أن "العشرات من العائلات تبقي موتاها أياما وربما أسابيع في برادات المستشفيات بانتظار تأمين قبر أو ضمان ظروف مناسبة لدفن الفقيد بالسر، تحت جنح الظلام في المقابر الممنوعة عليهم".
ويعيش في لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري يتوزعون على مناطق وبلدات عدة، سمحت بعض المجالس المحلية لهم بدفن موتاهم في مساحات جغرافية خصصتها للموتى السوريين، في حين تمنعهم معظم المناطق من هذا الأمر، بذريعة عدم وجود مدافن تتسع لموتى اللبنانيين أولا.
وهو ما يفسر إقدام بعض العائلات المقيمة في بيروت مثلا على توسل دفن أقاربها في مناطق أخرى، يسهل فيها تجاوز قرارات المجالس المحلية أو الغلتفاف عليها.

وتشير مدللي إلى أن الوضع يزداد سوءا مع مرور الوقت وامتداد فترة اللجوء، مضيفة "إن المجلس المحلي في إحدى بلدات البقاع أقفل مقبرة قبل أشهر، وهي التي أقيمت في منطقة عقارية تصنف مشاعا، أي لا تعود ملكيتها إلى أي شخص أو جهة، لكن المجلس المحلي وبعد تجاوز عدد القبور فيها الـ 300، أوقفها بحجة أن البلدة فيها طوائف متعددة، وإن تزايد أعداد المقابر العائدة لمسلمين قد يشكل خطرا ويحول المقبرة إلى مكان يحج إليه السوريون باستمرار".
تكررت الحادثة في بلدة أخرى بحسب ما تشير الناشطة ندى فياض التي تحدثت عن "استحداث مقبرة قبل فترة في بلدة تربل، ليغلقها المجلس البلدي في ما بعد بسبب ارتفاع أعداد الموتى الذي تجاوز 500 قبر، لاسيما وأن بعض العائلات السورية المقيمة في بيروت ومناطق أخرى كانت تأتي لتدفن فيها".
وتكشف فياض أن بعض العائلات البنانية تتعاطف مع السوريين في أزمة موتاهم، وتسمح لهم بدفن ذويهم في المقابر العائلية التي تملكها أو تساعدهم على إنجاز عملية الدفن سرا.

وتدعو فياض التي تعمل في مجال إغاثة اللائجين إلى التحرك والضغط على المرجعيات الروحية ودار الإفتاء، لحثهم على إيجاد حل لهذه الأزمة التي تنطوي على مسائل ذات أوجه شرعية وجب مراعاتها.